وزارة الإسكان مطالبة بتجاوز الدور التقليدي.. والاستفادة من التجارب الحكومية السابقة

حظي السكن باهتمام المواطنين وأسرهم في المجتمع السعودي حتى أصبح من أولويات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بإصداره حزمة المراسم الملكية:1- إنشاء وزارة للإسكان. 2 – تخصيص مبلغ 250 مليار سعودي لبناء 500 ألف وحدة سكنية. 3- زيادة قرض صندوق التنمية العقاري إلى 500 ألف ريال لمواكبة ارتفاع تكلفة الأرض ومواد البناء. 4- ربط صندوق التنمية العقاري بوزارة الإسكان لإعادة هيكلته وتطوير سياساته. هذا الزخم من الاهتمام بحل أزمة الإسكان يهدف إلى تحقيق الأمان الأسري والانتماء الوطني لشريحة كبيرة من المواطنين الذين لا تمكنهم دخولهم من امتلاك مسكن العمر الذي أصبح الحلم الذي تنظر إليه في منامها وصحوها. وهذه فرصة تاريخية للدكتور شويش بن سعود الشويش وزير الإسكان بأن يتصدى لحل هذه الأزمة من جذورها وليس لأعراضها بإعداد الاستراتيجية العامة للإسكان على أساس الشراكة المستدامة بين القوى المؤثرة والفاعلة في سوق المساكن من: 1- كبار ملاك الأراضي. 2- المطورين الناجحين للمساكن. 3- صندوق التنمية العقاري. و4- الممولين من المصارف وقريبا شركات الرهن العقاري لإعادة تنظيم العلاقات بين هذه القوى وتفعيلها وإزالة احتكار الأراضي البيضاء المسبب لارتفاع أسعار الأراضي بجذب وتشجيع ملاكها في الدخول في عملية مشاريع تطوير المساكن ومن خلال تفعيل العلاقات مع هذه المنظومة تتحسن تدريجيا آلية ومرونة عملها، وتزداد المنافسة لزيادة قوى العرض من الأراضي المطورة والمساكن الميسرة بجودة عالية وتكلفة منخفضة من خلال الوفورات الاقتصادية والمالية التي ستحققها استراتيجية الشراكة المستدامة بين وزارة الإسكان والقوى المؤثرة في سوق المساكن والتي سأشرحها بإيجاز في النموذج التوضيحي التالي: من المهم أن تركز وزارة الإسكان على دورها الفاعل كمنظم للعلاقات للقوى المؤثرة في سوق المساكن ودور وزارة الإسكان كممول لمشاريع تطوير المساكن وتتجاوز الدور التقليدي كمالك لمشاريع الإسكان أمام مقاولين منفذين لهذه المشاريع. ويجب أن يمتد أفق وزارة الإسكان للاستفادة من التجارب الناجحة لكبار مطوري المساكن السعوديين من هيئات حكومية وشركات خاصة مثل مشاريع إسكان موظفي “أرامكو”، “سابك”، “الهيئة الملكية للجبيل وينبع”، “الجامعات السعودية”، “وزارة الخارجية” والحي الدبلوماسي وتجارب مشاريع الإسكان الناجحة في دول أخرى مثل تركيا، المغرب، وماليزيا . بهذا الانفتاح على مشاريع الإسكان الناجحة في الداخل والخارج تختصر وزارة الإسكان من جهود وتكلفة الدراسات والوقت التي تأخذه، وتحدد الكود والمواصفات الفنية وتقنية البناء الحديثة لبناء السكن الميسر، ومتوسط تكلفة إنشائه، ومعالجة الجوانب السلبية التي قد تكتشفها في هذه المشاريع لتجعلها أكثر ملاءمة للأسرة السعودية، إضافة إلى تحديد قوائم المطورين الناجحين للمساكن المحليين والإقليميين والدوليين لأن الوقت لا يسمح بإعطاء الفرصة للمتعثرين. وبدعوة قائمة المطورين الناجحين المحليين والإقليميين والدوليين من خلال منافسة عامة وشفافية عالية، وبإجراءات ميسرة تمكنهم من استيراد مواد البناء ذات المواصفات والجودة العالية، وتقنية البناء الحديثة واستقدام العمالة والفنيين ذوي المهارة العالية، تتمكن وزارة الإسكان من تخفيض التكلفة الإنشائية للوحدة من السكن الميسر، وتختصر فترة تنفيذ مشاريعها. والبعد الاقتصادي والمالي لاستراتيجية الشراكة المستدامة تمكن وزارة الإسكان من الاستفادة من الوفورات الاقتصادية التي تحققها عملية الشراكة والتكامل بين ملاك الأراضي ومطوري الإسكان والممولين والمواطنين، إضافة إلى الاستفادة من الإيرادات الإيجارية المتوقعة من تأجير أراضي المرافق التعليمية، التجارية، الرياضية، الترفيهية، والأمنية على المطورين العقاريين لإنشاء مبان على أراضي هذه المرافق لاستثمارها وتشغيلها بنظام عقود: Build, Operate and Transfer : BOT لمدد طويلة 30 إلى 35 عاما تعود ملكية مباني هذه المرافق في نهاية مدة هذه العقود لوزارة الإسكان على أن تستفيد الوزارة من جزء من هذه الإيرادات الإيجارية المتوقع تحقيقها مقدما باحتسابها جزءا من تكلفة إنشاء مساكن المواطنين لينعكس ذلك على سعر بيع المسكن الميسر للمواطن ليصبح دون تكلفة إنشائه. نجاح تنفيذ هذه الاستراتيجية يعتمد على الشراكة والتكامل والتعاون بين العناصر الأساسية الداخلة في مشاريع عملية تطوير المساكن وهم: 1- وزارة الإسكان كمنظم وممول لمشاريع الإسكان الميسر للمواطنين. 2- ملاك الأراضي الكبيرة المطورة وغير المطورة كشركاء في عملية تطوير المساكن. 3- كبار مطوري المساكن (الناجحين) من السعوديين والإقليميين والدوليين وخاصة من ماليزيا وتركيا. 4- صندوق التنمية العقارية، كمشارك في التمويل لاستمرار تدفق التمويل عوضا عن التمويل المباشر للمواطنين لاستدامة عملية تطوير المساكن. 5- البنوك السعودية وشركات الرهن العقاري كممول مساند للمطورين والمواطنين لاستدامة عملية تطوير المساكن (يشترط لدخولها تقديم عروض منافسة وبتكلفة تمويل منخفضة ولمدد طويلة من 20 إلى 30 عاما). 6- لكل مشروع مجمع إسكان تنشأ شركة لملكية حقوق الانتفاع لأراضي المرافق التجارية، التعليمية، الرياضية، الترفيهية والأمنية على شكل عقد شركة Special Purpose Vehicle: SPVلمدة 30 إلى 35 عاما بين وزارة الإسكان والمطورين والمستثمرين المشغلين لخدمات المباني المنشأة على أراضي المرافق العامة لتوفير خدماتها لسكان هذه المجمعات السكنية التي تؤل ملكيتها في نهاية فترة عقود BOT إلى وزارة الإسكان. وتستطيع وزارة الإسكان الاستمرار في توفير الخدمات للساكنين بتجديد هذه العقود بشروط جديدة للمستثمرين المشغلين. والنموذج التالي يوضح الشراكة والتكامل بين العناصر الأساسية الداخلة في مشاريع عملية تطوير المساكن وتحقق استراتيجية الشراكة المستدامة تفعيل قوى العرض والطلب في سوق المساكن لإعادة التوازن والمرونة إليها فتعمل مجتمعة على تحقيق وفورات اقتصاديه ومالية كبيرة نظرا لإشراك جميع العناصر المطلوبة منذ البداية في عملية مشاريع تطوير المساكن ويعملون كشركاء عوضا عن العمل كمتنافسين كما هو حاصل الآن في سوق المساكن السعودية، بأن ملاك الأرضي يعملون منعزلين ومنافسين لمطوري الأراضي والمساكن فيبيع ملاك الأراضي الخام (غير المطورة) إلى المطورين الذين يقومون بإضافة تكلفة تطوير البنية التحتية من شوارع وشبكة كهرباء وهاتف ومياه ومجار وسفلتة الشوارع وبناء الأرصفة إلى قيمة الأرض، ثم يقوم مطورو الأراضي إما ببيع مخطط الأرض المطورة بالمزاد العلني لمطوري المساكن والمواطنين، وبذلك ترتفع أسعار الأراضي مما يجعل تكلفة الأرض مرتفعة وتشكل نسبة 50 في المائة من تكلفة السكن أو يبيعها إلى مطوري المساكن. وكل مرحلة منفصلة تضيف تكلفة إدارية وإشرافية وأرباحا، فتتراكم هذه المصروفات والأرباح لتضاف للتكلفة النهائية للمسكن فترتفع على المواطن. إن قيام وزارة الإسكان بدور فعال كمنظم وممول لعملية تطوير مشاريع المساكن الميسرة سيمكنها من إدخال وإدارة هذه الأطراف بطريقة فعالة ومتكاملة وبأسلوب اقتصادي، تقلل من قيمة الأراضي وتكلفة تطوير الأرض على مالك الأرض أو مطوري المساكن، وكذلك تمكن مطوري المساكن من الاستفادة من وفورات الحجم الكبير من إنشاء الأعداد الضخمة من المساكن المطلوب تنفيذها بالتفاوض بالحصول على أقل الأسعار في مواد البناء واستيرادها بكميات كبيرة، واستقدام العمالة الحرفية والماهرة المطلوبة بأقل الأجور بدلا من توفيرها من السوق المحلية التي ترتفع تكاليفها وتقل جودتها. كما أن استراتيجية الشراكة تمكن وزارة الإسكان من تخفيض سعر المسكن الميسر لتمكين المواطنين السعوديين من ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة والتي تشكل 70 في المائة من الذين لا يملكون مساكن من تملك مساكنهم بأسعار ميسرة ومقسطة لمدد طويلة – 25 عاما – تتناسب مع مداخيلهم الشهرية من خلال تخفيض أسعار المساكن دون تكلفة إنشائها وذلك بسداد هذا الفرق للمطورين من الإيرادات الإيجارية المتوقع تحققها لمطوري المساكن من عقود استثمار الأراضي التجارية والتعليمية والترفيهية ببنائها وتأجيرها على مستثمرين متخصصين ومحترفين بعقود لآجال طويلة مثل المراكز التجارية ومجمعات المدارس والمستوصفات والنوادي الرياضية والترفيهية والخدمات الأمنية، حيث ترسي وزارة الإسكان عقود إيجار هذه الأراضي بأسعار تنافسية من خلال نظام البناء والتشغيل والتسليم BOT، حيث تعود ملكية هذه المباني لوزارة الإسكان بعد مدة 30 إلى 35 عاما، وهذه العقود الاستثمارية تلزم مطوري المساكن من خلال احتساب الإيجارات المتوقعة لأراضي المرافق التعليمية والصحية والتجارية والترفيهية والأمنية لخفض سعر تكلفة المسكن للمواطن ليحتسب عليه دون سعر تكلفة إنشائه بمقدار نصيب كل مسكن بنسبة محددة من إيرادات إيجارات أراضي المرافق العامة لكامل فترة الامتياز لاستثمار هذه المرافق. هذه الاستراتيجية تساهم في تخفيض تكلفة مشاريع تطوير المساكن الميسرة وتوزع مخاطرها بطريقة متوازنة بين جميع الأطراف المشاركة مما يقلل منها ويزيد من نجاح تنفيذ هذه المشاريع وتخفيض مدة تنفيذها. وعلى وزارة الإسكان إعادة هيكلة وسياسات وتطوير دور صندوق التنمية العقاري، حيث يصبح دوره المشاركة مع وزارة الإسكان في تمويل مطوري مشاريع الإسكان الميسر وليس تمويل الأفراد مباشرة، وإنما يسلم المواطن السكن المطور بصورة نهائية، وبذلك لن يدخل المواطن في أعباء ومتاهات بناء مسكنه بنفسه ويقضي جزءًا من عمره كمقاول لبناء مسكنه. وبذلك يتوافر ويتجدد لوزارة الإسكان موارد مالية سنوية من دفعات سداد المواطنين لأقساطهم المستحقة عليهم للصندوق حتى تستمر مشاريع تطوير المساكن وتزداد من سنة إلى أخرى. وبذلك ينتظم ويحدث التوازن بين قوى العرض والطلب للمساكن في السوق العقارية، وتدريجيا نرى أن قوى العرض والطلب للمساكن تعمل بفاعلية في سوق منظمة يعمل فيها المطورون الأكفاء وتسودها المنافسة وترتفع جودة المساكن، وتعتدل أسعار الأراضي والمساكن. كما أن هذه الاستراتيجية تمكن هيئة سوق المال السعودي بالتنسيق مع وزارة الإسكان ومطوري المساكن الميسرة، من توفير مصادر تمويل جديدة وبتكلفة أقل من المصارف لتمويل مشاريع السكن الميسر من خلال تصكيك Securitization حقوق استثمار المطورين لمشاريع الإسكان بطرح تداول صكوك ملكية هذه المشاريع لمدة تنفيذها ومحددة بثلاث إلى أربع سنوات لاكتتاب المواطنين فيها. ويتم تداولها في سوق الصكوك فيتحقق لهم عائد نصف سنوي وتسهل عملية تسييلها في السوق مع ضمان استرداد قيمة الصكوك في نهاية مدتها على نمط الصكوك العقارية في أسواق المال الأمريكية Real Estate Investment Trust : REIT,s. باستراتيجية وزارة الإسكان للشراكة المستدامة مع ملاك الأراضي المطورة وغير المطورة، ومطوري المساكن، والممولين، والمواطنين تحقق هذه الاستراتيجية لوزارة الإسكان وفورات مالية كبيرة تنعكس مباشرة على تخفيض سعر بيع المسكن للمواطن مع جودته العالية فتتمكن وزارة الإسكان من إنشاء مجمعات سكنية نموذجية وبمواصفات عالمية تتوافر فيها جميع الخدمات التعليمية والصحية والرياضية والترفيهية والتجارية والأمنية، ولشرائح متنوعة ومتعددة من المواطنين من منخفضي ومتوسطي الدخول، وتحقق لهم معيشة راقية، فتحقق الحلم الذي يراودهم، وتحقق طموحات ورؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لمواطنيه بأن ينعموا بمساكن ترقى إلى طموحهم وتحقق أمانيهمن والله من وراء القصد.

Author : د. ابراهيم الغفيلي

د. ابراهيم الغفيلي

دكتوراه الفلسفة – جامعة ولاية فلوريـدا وماجستير من كلية ادارة الاعمال والادارة العامـة جامعة ولاية كليفورنيا وبكالوريوس : كلية الاقتصاد والادارة , جامعة الملك عبدالعزيز

RELATED POSTS

Comments are closed.